صحتك تهمنا

قصة ورقة

قصة ورقة "أشجار الميبل"


رمز العلم الكندي


"شراب الميبل" هو شراب يصنع عادة من أشجار الميبل، أو كما تسمى باللغة العربية بأشجار القيقب، ويستخلص هذا الشراب من أشجار القيقب الأحمر أو أشجار القيقب السوداء التي تكثر وتشتهر بها كندا، تخزن هذه الأشجار النشا في جذوعها وجذورها قبل الشتاء ثم يتم تحويل النشا إلى سكر يرتفع في جذوع الشجر في أواخر الشتاء وأوائل الربيع.  يتم سحب المحلول من الأشجار عن طريق حفر ثقوب في جذوعها ثم تتم معالجتها عن طريق التسخين لتبخر الكثير من الماء تاركًا الشراب المركز.  يمكن أن تنتج معظم الأشجار من 20 إلى 60 لترًا (5 إلى 15 جالونًا أمريكيًا) في الموسم الواحد، ويعتبر شراب الميبل من أهم المنتجات الغذائية في كندا ويستخدم في إنتاج الحلويات والمعجنات وطعمه قريب من العسل ولكن أخف من العسل، وغالبًا ما يستخدم شراب القيقب للفطائر أو بسكويتات الوفل أو الخبز المحمص الفرنسي أو دقيق الشوفان أو العصيدة، كما أنه يستخدم كعنصر في الخبز وكمحلٍّ أو عامل منكه. وقد أشاد خبراء الطهي بنكهته الفريدة ويعتبر شراباً مفيداً للجسم، ومصدراً للسكر طبيعي الذي يعتبر أفضل من السكر الصناعي. وتنتج كندا سنوياً ملايين اللترات ويعتبر مورداً مالياً واقتصادياً مهماً لكندا، ولهذا فإن ورقة شجرة الميبل موضوعة على العلم الكندي وتعتبر رمزاً مهماً من رموز كندا. 

تم صنع شراب القيقب لأول مرة واستخدامه من قبل الشعوب الأصلية في أمريكا الشمالية، تم انتقلت هذه الصناعة إلى المستوطنين الأوروبيين الذين صقلوا أساليب الإنتاج تدريجياً وأدخلوا عليها الكثير من التحسينات التكنولوجية التي تساهم في سرعة الإنتاج. تعتبر مقاطعة كيبيك الكندية أكبر منتج لهذا الشراب، فهي مسؤولة عن 70 في المائة من الإنتاج العالمي؛ حيث بلغت الصادرات الكندية من شراب القيقب في عام 2016 ما قيمته 487 مليون دولار كندي (حوالي 360 مليون دولار أمريكي)، وتمثل كيبيك حوالي 90 في المائة من هذا الإجمالي. 
ويعود تاريخ إنتاج شراب الميبل في كندا إلى مئات السنين، حيث كانت الشعوب الأصلية تعيش في شمال شرق أمريكا الشمالية وتحديداً في كندا، وهي المجموعات الأولى المعروفة بإنتاج شراب القيقب وسكر القيقب وفقًا لتقاليد السكان الأصليين، ويقال إن السكان الأصليين كانوا يستخدمون عصارة القيقب بدلاً من الماء لطهي لحم الغزال الذي يقدم إلى رئيس القبيلة كنوع من الاحتفاء به ويعتبرونه مصدراً مهماً للطاقة في الأجواء الباردة التي يعيش بها السكان في كندا.
في المراحل المبكرة من وصول الإنسان المهاجر الأوروبي في شمال شرق أمريكا الشمالية وكندا، شرح السكان الأصليون المحليون للقادمين الجدد كيفية استخلاص شراب الميبل من الأشجار، ولكن السكان الأصليين كانوا يعملون على طريقة سحب المحلول بواسطة أنابيب بلاستيكية، أما الأوربيين عندما جاءوا عملوا على حفر الثقوب في الجذوع باستخدام المثاقب، وأصبح كمصدر للسكر المركز، في صورة سائلة وصلبة متبلورة، بدلاً من استيراد قصب السكر من جزر الهند الغربية.

في وقت قريب من الحرب الأهلية الأمريكية (1861-1865)، بدأ صانعو الشراب في استخدام أحواض كبيرة مسطحة من الألواح المعدنية لأنها كانت أكثر كفاءة في الغليان من غلايات الحديد الثقيلة المستديرة، بسبب اتساع مساحة سطح الألواح حيث تكون أسرع في عملية تبخير الماء، وفي ذلك الوقت كان سكر القصب يستخدم بدلاً من سكر القيقب باعتباره المُحلي السائد في الولايات المتحدة وكندا، ونتيجة لذلك ركز المنتجون جهودهم التسويقية على شراب القيقب، وقد تم تسجيل براءة اختراع أول مبخر يستخدم لتسخين المحلول وتركيزه في عام 1858 وفي عام 1872، تم تطوير مبخر يحتوي على سطحين وقوس معدني أو صندوق احتراق، مما أدى إلى تقليل وقت الغليان بشكل كبير.
  حوالي عام 1900، قام المنتجون بطي القصدير الذي شكل قاع المقلاة إلى سلسلة من المداخن، مما أدى إلى زيادة مساحة السطح الساخنة للمقلاة وتقليل وقت الغليان مرة أخرى.  أضاف بعض المنتجين أيضًا وعاء تشطيب، ومبخر دفعي منفصل، كمرحلة نهائية في عملية التبخر.
 بدأ استبدال الأوعية التي يتم جمع الشراب فيها إلى أكياس بلاستيكية، مما سمح للناس برؤية كمية المحلول التي تم جمعها، وبدأ منتجو العصائر أيضًا في استخدام الجرارات لنقل أوعية المحلول من الأشجار إلى المبخر، وقد اعتمد بعض المنتجين آلات تجميع تعمل بمحرك وأنظمة أنابيب معدنية لنقل المحلول من الشجرة إلى حاوية تجميع مركزية.
 وفي السنوات الأربعين الأخيرة حدثت الكثير من التغييرات في إنتاج شراب الميبل ليواكب التطورات التكنولوجية المتميزة التي شهدتها كندا حيث تم تحسين أنظمة الأنابيب البلاستيكية التي كانت تجريبية منذ الجزء الأول من القرن، وجاءت العصارة مباشرة من الشجرة ثم يتم التحويل إلى منزل المبخر وتمت إضافة مضخات التفريغ إلى أنظمة الأنابيب، وتم تطوير سخانات مسبقة لإعادة تدوير الحرارة المفقودة في البخار وقد طور المنتجون آلات الإنتاج لأخذ جزء من الماء من المحلول قبل غليه، مما يزيد من كفاءة المعالجة.
 تم منذ ذلك الحين تطوير تحسينات في مضخات الأنابيب والفراغ، وتقنيات الترشيح الجديدة، وأجهزة التسخين المسبق "فائقة الشحن"، وحاويات التخزين الأفضل مما أدى إلى تطوير القدرات الإنتاجية التي مكنت المصانع الكندية من سد السوق المحلية وتصديره إلى الخارج. وإلى اليوم تعكف الكثير من المراكز البحثية في كندا على تطوير هذه الصناعة مما يجعلها من أهم الصناعات، ففي عام 2009، كشف باحثون في جامعة فيرمونت عن نوع جديد من الحنفية يمنع ارتداد المحلول في الشجرة، مما يقلل التلوث البكتيري ويمنع الشجرة من محاولة التئام الحفرة.  
اليوم كل زائر يزور كندا وينوي شراء الهدايا التي يعود بها إلى بلده، فلا بد وأن يشتري عدة زجاجات أو علب بلاستيكية من شراب الميبل ليقدمه هدية إلى أهله وأصدقائه كهدية مميزة من كندا، حيث يتراوح  سعر علبة شراب الميبل الطبيعي حوالي 14 دولار كندي أو ما يقارب 11 دولار أمريكي، ويعتبر هدية مميزة كونه سكراً طبيعياً لا يلحق بالجسد أذى كالذي يسببه السكر الصناعي.

التعليقات
اترك تعليقاً


آخر مقالات في القسم